دور المدرسة في دعم المتعلمين في وضعية إعاقة: مقاربة تحليلية تطبيقية في أفق التربية الدامجة

دور المدرسة في دعم المتعلمين في وضعية إعاقة: مقاربة تحليلية تطبيقية في أفق التربية الدامجة  



مقدمة

أصبحت قضية إدماج المتعلمين في وضعية إعاقة داخل المنظومة التعليمية من القضايا المركزية التي تستأثر باهتمام الباحثين وصناع القرار التربوي على الصعيدين الوطني والدولي، وذلك في ظل التحولات العميقة التي عرفتها النظرة إلى الإعاقة، حيث انتقل التفكير من منطق الإقصاء والرعاية إلى منطق الحقوق والمواطنة الكاملة. وفي هذا السياق لم تعد المدرسة مجرد فضاء لنقل المعارف، بل أضحت مؤسسة اجتماعية وتربوية مطالبة بضمان الحق في تعليم منصف وجيد لجميع المتعلمين، على اختلاف خصائصهم وحاجاتهم.

وتعد المدرسة الدامجة الإطار المرجعي الذي يؤطر هذه التحولات، باعتبارها نموذجا تربويا يسعى إلى إزالة الحواجز المادية والبيداغوجية والنفسية التي تعيق مشاركة المتعلمين في وضعية إعاقة، وتمكينهم من التعلم داخل الفصول الدراسية العادية إلى جانب أقرانهم. وانطلاقًا من هذا التصور، يهدف هذا المقال إلى تحليل الدور الذي تضطلع به المدرسة في دعم المتعلمين في وضعية إعاقة، من خلال أربعة محاور أساسية تتمثل في مفهوم المدرسة الدامجة، والتكيف البيداغوجي، والمناخ المدرسي الداعم، وأدوات الإدارة التربوية، مع اعتماد مقاربة تحليلية تطبيقية تستحضر الواقع المدرسي وإكراهاته.

أولا: مفهوم المدرسة الدامجة

تندرج التربية الدامجة ضمن المقاربة الحقوقية الحديثة التي تقوم على تكريس الحق في التعليم باعتباره حقًا أساسيًا مكفولا لجميع الأطفال دون أي شكل من أشكال التمييز، بما في ذلك الأطفال في وضعية إعاقة. ويقوم هذا التوجه على مبدأ المساواة والإنصاف في الولوج إلى الخدمات التعليمية، مع الالتزام بتوفير الترتيبات التربوية المعقولة التي تستجيب للحاجات الخاصة للمتعلمين في وضعية هشاشة، بما يضمن لهم تعليمًا ذي جودة داخل المؤسسات التعليمية العادية.

وقد أفضى هذا التحول إلى تجاوز المقاربة الطبية التقليدية التي كانت تنظر إلى الإعاقة باعتبارها عجزا فرديًا يبرر الإقصاء أو العزل داخل بنيات تعليمية خاصة، لفائدة مقاربة حقوقية تعتبر الإعاقة نتاجا لتفاعل الفرد مع محيط غير مهيأ، وتلزم الدولة والمؤسسات التعليمية باتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تكافؤ الفرص التعليمية.

وفي هذا السياق، انخرط المغرب، انسجاما مع التزاماته الدولية في مجال حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة، في اعتماد سياسات عمومية تهدف إلى ترسيخ التربية الدامجة باعتبارها مشروعا مجتمعيا، تسهم في تغيير التمثلات الاجتماعية السائدة، وتكفل للمتعلمين في وضعية إعاقة الحق في تعليم منصف يراعي إمكاناتهم ويعمل على تنميتها. وعلى المستوى التطبيقي، جرى اعتماد المشروع البيداغوجي الفردي كآلية قانونية وتربوية لضمان تفريد التعلمات وتكييفها، بما يطرح إشكالية مدى إسهامه في تنمية المهارات الحياتية الضرورية لتحقيق الإدماج الاجتماعي الفعلي.

ومن الناحية المفاهيمية، تعرف المدرسة الدامجة على أنها مدرسة قادرة على توفير تعليم ذي جودة للجميع داخل الفصول الدراسية العادية، مع تقديم الدعم التربوي والنفسي والاجتماعي اللازم للمتعلمين الذين يواجهون صعوبات في التعلم أو المشاركة. ويستند هذا التعريف إلى مقاربة حقوقية تعتبر التعليم حقا أساسيا غير قابل للتجزئة، وتلزم الدولة والمؤسسات التربوية بضمانه دون إقصاء أو تهميش.

تختلف المدرسة الدامجة عن نماذج سابقة كالإدماج أو الدمج الجزئي، حيث لا يطلب من المتعلم في وضعية إعاقة التكيف مع المدرسة كما هي، بل تصبح المدرسة نفسها مطالبة بإعادة النظر في بنيتها ومناهجها وطرق اشتغالها. ويبرز هذا التحول انتقالا من النموذج الطبي للإعاقة، الذي يركز على العجز الفردي، إلى النموذج الاجتماعي الذي ينظر إلى الإعاقة كنتيجة لتفاعل الفرد مع بيئة غير مهيأة.

وعلى المستوى التطبيقي، تتجسد المدرسة الدامجة في سياسات وممارسات عملية، من قبيل تكييف المناهج، وتوفير الوسائل الديداكتيكية الملائمة، واعتماد مقاربات تدريسية مرنة، وتعزيز العمل التشاركي بين المدرسين والإدارة والأسر. كما تتطلب المدرسة الدامجة ثقافةمؤسساتية قائمة على قيم الاحترام والتقبل والإنصاف، وهو ما يجعلها مشروعا تربويا ومجتمعيا متكاملا، وليس مجرد إجراء تقني معزول .

ثانيا: التكيف البيداغوجي ودوره في دعم المتعلمين في وضعية إعاقة

يعد التكيف البيداغوجي من الركائز الأساسية التي تقوم عليها المدرسة الدامجة، إذ يمثل الآلية العملية التي من خلالها يتم تحويل مبادئ الإنصاف وتكافؤ الفرص إلى ممارسات صفية ملموسة. ويقصد بالتكيف البيداغوجي مجموع التعديلات التي يدخلها المدرس على الأهداف التعليمية، والمضامين، وطرائق التدريس، ووسائل التقويم، بما يتلاءم مع قدرات المتعلمين وحاجاتهم الخاصة.

وينطلق التكيف البيداغوجي من تشخيص دقيق لحاجات المتعلم في وضعية إعاقة، سواء كانت حسية أو حركية أو ذهنية أو تواصلية، مع الأخذ بعين الاعتبار الفروق الفردية داخل الفئة نفسها. فليس الهدف هو تبسيط التعلمات أو خفض سقف التوقعات، بل توفير مسارات تعلم بديلة تمكِّن المتعلم من بلوغ الأهداف التعليمية بطرق تتناسب مع إمكاناته.

وفي هذا الإطار، يبرز دور المدرس باعتباره فاعلًا محوريًا في إنجاح التكيف البيداغوجي، حيث يتطلب منه ذلك امتلاك كفايات مهنية خاصة، تشمل القدرة على التخطيط المرن، وتنويع استراتيجيات التدريس، واستخدام الوسائط المتعددة، واعتماد التعلم التعاوني. كما يعد التقويم التكويني أداة أساسية في هذا السياق، إذ يسمح بتتبع تطور تعلم المتعلم وتعديل التدخلات البيداغوجية وفقًا لنتائج التقويم.

ومن الناحية التطبيقية، يمكن أن يتخذ التكيف البيداغوجي أشكالًا متعددة، مثل تكييف الزمن المدرسي، أو تعديل طريقة عرض المحتوى، أو استخدام وسائل مساعدة كالتكنولوجيا الداعمة، أو توفير دعم فردي داخل الفصل. وتظهر الدراسات التربوية أن اعتماد التكيف البيداغوجي لا يعود بالنفع على المتعلمين في وضعية إعاقة فحسب، بل يساهم أيضًا في تحسين جودة التعلم لدى جميع المتعلمين، لما يوفره من تنويع ومرونة في الممارسات الصفية.

ثالثا: المناخ المدرسي الداعم وأثره في إدماج المتعلمين في وضعية إعاقة

يشكل المناخ المدرسي أحد العوامل الحاسمة في نجاح أو فشل سياسات التربية الدامجة، إذ لا يكفي توفير الترتيبات البيداغوجية والتنظيمية إذا لم يكن الفضاء المدرسي نفسه مشجعا على التقبل والاندماج. ويقصد بالمناخ المدرسي مجموع العلاقات والقيم والممارسات التي تسود داخل المؤسسة التعليمية، والتي تؤثر بشكل مباشر في شعور المتعلمين بالأمان والانتماء.

ويكتسي المناخ المدرسي الداعم أهمية خاصة بالنسبة للمتعلمين في وضعية إعاقة، نظرا لما قد يتعرضون له من مواقف تمييزية أو نظرات سلبية تضعف ثقتهم بأنفسهم وتؤثر في دافعيتهم للتعلم. ومن هنا، تصبح المدرسة مطالبة ببناء ثقافة مؤسساتية قائمة على الاحترام المتبادل، ونبذ التنمر، وتعزيز قيم التضامن والتعاون بين المتعلمين.

ويتحقق المناخ المدرسي الداعم من خلال مجموعة من الممارسات، من بينها إشراك المتعلمين في وضعية إعاقة في الأنشطة الصفية واللاصفية، وتوعية باقي المتعلمين بخصوصيات الإعاقة، وتعزيز التواصل الإيجابي بين المدرسين والمتعلمين والأسر. كما يلعب الأخصائيون الاجتماعيون والنفسيون دورا مهمًا في مواكبة الحالات التي تتطلب دعما نفسيا خاصا، والمساهمة في الوقاية من المشكلات السلوكية والاجتماعية.

وعلى المستوى التطبيقي، أبانت التجارب الميدانية أن المؤسسات التي تنجح في إرساء مناخ مدرسي إيجابي تكون أكثر قدرة على تحقيق أهداف التربية الدامجة، حيث يشعر المتعلم في وضعية إعاقة بأنه عضو فاعل ومُقدَّر داخل الجماعة المدرسية، مما ينعكس إيجابا على تحصيله الدراسي ونموه الشخصي والاجتماعي.

رابعا: أدوات الإدارة التربوية في دعم المدرسة الدامجة

تضطلع الإدارة التربوية بدور استراتيجي في تنزيل مشروع المدرسة الدامجة، إذ لا يمكن تحقيق هذا المشروع دون قيادة تربوية واعية قادرة على التخطيط والتنسيق والتتبع. وتتمثل أدوات الإدارة التربوية في مجموع الآليات التنظيمية والتدبيرية التي تُسهم في تهيئة شروط النجاح للتربية الدامجة داخل المؤسسة التعليمية.

ومن أبرز هذه الأدوات مشروع المؤسسة، الذي يعد إطارا مرجعيا لتحديد الأهداف والإجراءات المتعلقة بدعم المتعلمين في وضعية إعاقة. فمن خلال مشروع المؤسسة، يمكن برمجة أنشطة التكوين المستمر لفائدة المدرسين، وتوفير الشراكات مع الجمعيات المتخصصة، وتعبئة الموارد المادية والبشرية الضرورية.

كما تلعب آليات التتبع والتقويم دورا أساسيا في قياس مدى نجاعة التدخلات التربوية، حيث تسمح للإدارة برصد الصعوبات، واتخاذ قرارات تصحيحية مبنية على معطيات موضوعية. ويعد التنسيق بين مختلف الفاعلين التربويين، من إدارة ومدرسين وأسر وشركاء خارجيين، أداة محورية لضمان تكامل الجهود وتفادي تشتتها.

ومن الناحية التطبيقية، تبرز الممارسات الجيدة أن الإدارة التربوية الناجحة في مجال التربية الدامجة هي تلك التي تعتمد أسلوب القيادة التشاركية، وتشجع المبادرات الميدانية، وتوفر مناخا من الثقة والدعم للمدرسين، بما يمكنهم من الإبداع والابتكار في التعامل مع التنوع داخل الفصول الدراسية.

خاتمة

يتضح من خلال هذا التحليل أن دور المدرسة في دعم المتعلمين في وضعية إعاقة يتجاوز حدود التدخل البيداغوجي الضيق، ليشمل أبعادا مؤسساتية وثقافية وإدارية متكاملة. فالمدرسة الدامجة ليست مجرد شعار، بل هي مشروع تربوي يتطلب التزاما جماعيا، ورؤية واضحة، وممارسات عملية قائمة على الإنصاف واحترام الاختلاف. ويظل نجاح هذا المشروع رهينا بقدرة المدرسة على تكييف بنيتها ومناهجها، وبناء مناخ داعم، وتفعيل أدوات الإدارة التربوية بشكل فعال، بما يضمن للمتعلمين في وضعية إعاقة حقهم في تعليم ذي جودة. 

قائمة المراجع.

. تعزيز الإدماج والإنصاف في التعليم. لندن: روتليدج، 2020 Ainscow, M. -

  دليل الإدماج: تطوير التعلم والمشاركة في المدارس. مركز دراسات التربية الدامجة، 2011 Booth, T., & Ainscow -

 دليل ضمان الإدماج والإنصاف في التعليم، باريس: منشورات اليونسكو، 2017 UNESCO -

، التقرير العالمي لرصد التعليم: الإدماج والتعليم. باريس: منشورات اليونسكو، 2020 UNESCO -

 - وزارة التربية الوطنية، الإطار المرجعي للتربية الدامجة، الرباط: وزارة التربية الوطنية، 2019. 


تعليقات