التعليم الرقمي وأثره على دمج المتعلمين ذوي صعوبات التعلم

 

التعليم الرقمي وأثره على دمج المتعلمين ذوي صعوبات التعلم


مقدمة

يشهد العالم المعاصر تحولات عميقة في مجال التعليم بفعل التطور المتسارع للتكنولوجيات الرقمية؛ حيث لم يعد التعليم محصورا في الفضاء المدرسي التقليدي ولا مقيدا بالزمان والمكان بل أصبح يعتمد على منصات رقمية ووسائط تفاعلية متعددة تتيح فرصا أوسع للتعلم المستمر والتعلم الذاتي. وفي هذا السيا، برز مفهوم التعليم الرقمي كأحد أبرز الاتجاهات التربوية الحديثة التي أعادت صياغة الأدوار التعليمية وغيرت طبيعة العلاقة بين المتعلم والمعرفة وفرضت نماذج بيداغوجية جديدة تقوم على التفاعل والمرونة والتفريد.

تكتسي هذه التحولات أهمية خاصة عندما يتعلق الأمر بالمتعلمين ذوي صعوبات التعلم الذين يعانون من عراقيل معرفية أو نمائية تؤثر على أدائهم الدراسي داخل الأقسام التقليدية وتحد من فرص إدماجهم الكامل في المسار التعليمي، فقد أظهرت العديد من الدراسات التربوية والنفسية أن صعوبات التعلم مثل عسر القراءة وعسر الكتابة وصعوبات الحساب والانتباه لا تعكس ضعفا في الذكاء العام بقدر ما تعكس اختلافا في أنماط التعلم ومعالجة المعلومات، الأمر الذي يستدعي اعتماد مقاربات تعليمية مرنة وقابلة للتكيف مع الخصائص الفردية لهؤلاء المتعلمين. ومن هذا المنطلق يطرح التعليم الرقمي باعتباره رافعة أساسية لدعم الإدماج التربوي من خلال ما يوفره من أدوات رقمية وموارد متعددة الوسائط واستراتيجيات تعليمية متمركزة حول المتعلم تسمح بتجاوز الكثير من العوائق التي يفرضها التعليم التقليدي، غير أن هذا التوجه لا يخلو من تحديات ومخاطر في مقدمتها الفجوة الرقمية التي قد تعمق أشكال الإقصاء بدل الحد منها إذا لم ترافقه سياسات عمومية دامجة واستثمارات تربوية عادلة. وبالتالي يسعى هذا المقال إلى تحليل التعليم الرقمي وأثره على إدماج المتعلمين ذوي صعوبات التعلم من خلال تناول مفهوم التعليم الرقمي وخصائصه وتحليل دوره في دعم التعلم المرن والتكيف البيداغوجي واستعراض فرص الإدماج الرقمي مع مناقشة مخاطر الفجوة الرقمية وانعكاساتها على العدالة التربوية.

أولا: التعليم الرقمي

أ- مفهوم التعليم الرقمي

يشير مفهوم التعليم الرقمي إلى نمط تعليمي يعتمد على توظيف تكنولوجيات المعلومات والاتصال في تصميم وتنفيذ وتقويم العملية التعليمية التعلمية وذلك من خلال استخدام الحواسيب والألواح الرقمية والهواتف الذكية والإنترنت والمنصات التعليمية والبرمجيات التفاعلية، ويقوم هذا النمط من التعليم على دمج الوسائط الرقمية في مختلف مراحل التعلم بما يسمح بتقديم المحتوى التعليمي بطرائق متنوعة تراعي الفروق الفردية بين المتعلمين؛ حيث لا يقتصر التعليم الرقمي على مجرد تحويل المقررات الورقية إلى صيغ إلكترونية بل يمثل تحولا بيداغوجيا عميقا يعيد بناء المعرفة وفق منطق تفاعلي تشاركي، إذ يصبح المتعلم فاعلا في بناء تعلمه وليس مجرد متلق سلبي للمعلومات. كما يرتكز التعليم الرقمي على مبادئ التعلم الذاتي والتعلم التعاوني والتعلم القائم على حل المشكلات وهي مبادئ تتقاطع بشكل كبير مع متطلبات تعليم المتعلمين ذوي صعوبات التعلم.

ومن زاوية التربية الدامجة يمكن النظر إلى التعليم الرقمي باعتباره إطارا مرنا يسمح بتكييف المحتويات والوسائل ووتيرة التعلم وفق الحاجات الخاصة لكل متعلم وهو ما يجعله خيارا استراتيجيا لدعم حق الجميع في تعليم منصف وعادل، فالتعليم الرقمي لا يلغي دور المدرس بل يعيد تشكيله؛ حيث يتحول من ناقل للمعرفة إلى موجه وميسر ومصمم للتجارب التعليمية معتمدا على أدوات رقمية تساعده على تتبع تقدم المتعلمين وتقديم دعم فردي مناسب.

ب-  خصائص التعليم الرقمي

يتميز التعليم الرقمي بمجموعة من الخصائص التي تجعله مختلفا عن التعليم التقليدي وأكثر قدرة على الاستجابة لحاجات المتعلمين ذوي صعوبات التعلم ومن أهم هذه الخصائص المرونة؛ حيث يتيح التعليم الرقمي إمكانية التعلم في أي وقت ومن أي مكان مع التحكم في وتيرة التعلم وهو ما يساعد المتعلمين الذين يحتاجون إلى وقت أطول لاستيعاب المفاهيم، كما يتسم التعليم الرقمي بالتعدد الوسائطي إذ يعتمد على النصوص والصور والفيديوهات والرسوم المتحركة والتسجيلات الصوتية مما يسمح بتنويع قنوات تقديم المعرفة وتلبية أنماط التعلم المختلفة سواء البصرية أو السمعية أو الحسية الحركية. ومن خصائص التعليم الرقمي أيضا التفاعلية التي تمكن المتعلم من التفاعل مع المحتوى ومع المدرس ومع باقي المتعلمين من خلال المنتديات والاختبارات التفاعلية والألعاب التعليمية، وبالتالي يساهم هذا التفاعل في تعزيز الدافعية للتعلم والحد من الشعور بالعجز أو الفشل الذي يعاني منه بعض المتعلمين ذوي صعوبات التعلم داخل الفصول التقليدي، ويضاف إلى ذلك خاصية التقويم المستمر التي تتيح المنصات الرقمية أدوات متنوعة لتقويم التعلمات بشكل فوري وتكويني، مما يسمح بتشخيص الصعوبات مبكرا وتقديم تدخلات بيداغوجية علاجية مناسبة.

ثانيا: التعلم المرن والتكيف

يشكل التعلم المرن أحد الركائز الجوهرية للتعليم الرقمي إذ يقوم على مبدأ إعادة تنظيم العملية التعليمية وفق منطق يتمحور حول المتعلم بدل إخضاعه لنظام تعليمي موحد لا يراعي الفروق الفردية؛ حيث يستند هذا النمط من التعلم إلى إتاحة مسارات تعلم متعددة تسمح للمتعلمين باختيار الأنشطة التعليمية والوسائل البيداغوجية ووتيرة التعلم التي تتلاءم مع قدراتهم المعرفية وإيقاعهم الشخصي في اكتساب التعلمات. ويعد هذا التوجه استجابة تربوية مباشرة للتنوع داخل الفصول الدراسية خاصة في سياق التربية الدامجة التي تسعى إلى توفير بيئة تعليمية مرنة وقابلة للتكيف مع حاجات جميع المتعلمين دون استثناء. أما فيما يخص المتعلمين ذوي صعوبات التعلم يتيح التعليم الرقمي إمكانيات واسعة للتكيف البيداغوجي من خلال تصميم محتويات تعليمية قابلة للتعديل سواء من حيث درجة الصعوبة أو أسلوب العرض أو حجم الأنشطة. إذ يمكن تبسيط اللغة التعليمية وتقسيم المهام المعقدة إلى وحدات صغيرة ومتدرجة وإعادة شرح المفاهيم بطرائق متعددة تعتمد على التكرار والدعم البصري والسمعي، كما تسمح البيئات الرقمية باستخدام برمجيات مساعدة مثل برامج تحويل النص إلى صوت لفائدة المتعلمين الذين يعانون من صعوبات في القراءة، أو برامج التدقيق الإملائي لدعم المتعلمين ذوي صعوبات الكتابة، إضافة إلى تطبيقات رقمية متخصصة في تنمية المهارات القرائية والحسابية تعتمد على التفاعل والتغذية الراجعة الفورية، إضافة إلى ذلك يساهم التعلم المرن كذلك في إرساء مبدأ التفريد في التعلم؛ حيث يصبح بإمكان المدرس تتبع تقدم كل متعلم على حدة وتحليل بيانات أدائه واقتراح أنشطة علاجية أو إثرائية ملائمة لوضعه التعلمي. وتعد هذه الخاصية ذات أهمية بالغة بالنسبة للمتعلمين ذوي صعوبات التعلم الذين يحتاجون إلى دعم مستمر ومكيف أكثر من حاجتهم إلى تسريع وتيرة الإنجاز أو منافسة أقرانهم داخل القسم. كما يسمح هذا النمط من التعلم بتقليص مظاهر الفشل المدرسي من خلال الانتقال من منطق التقييم العقابي إلى التقييم التكويني الداعم للتعلم.

من الناحية النفسية والتربوية يسهم التعلم المرن في تعزيز الاستقلالية لدى المتعلمين؛ حيث يمكنهم إعادة مشاهدة الدروس الرقمية أو التمرن على الأنشطة التفاعلية أو العودة إلى الموارد التعليمية كلما دعت الحاجة دون الخضوع لضغط زمني أو مقارنة مباشرة مع الآخرين. ويؤدي هذا الأمر إلى تعزيز الثقة بالنفس وتنمية الشعور بالكفاءة الذاتية والحد من القلق المدرسي الذي غالبا ما يلازم المتعلمين ذوي صعوبات التعلم داخل السياقات التعليمية التقليدية. كما يعزز التعلم المرن بدافعية المتعلم نحو التعلم من خلال إشراكه في اتخاذ القرار المتعلق بتعلمه ومنحه دورا فاعلا في بناء مساره التعليمي بما ينسجم مع مقاربات التعلم الذاتي والتعلم مدى الحياة. وبناء عليه يمكن اعتبار التعلم المرن في إطار التعليم الرقمي آلية بيداغوجية مركزية لتحقيق الإدماج التربوي لما يوفره من شروط تعليمية عادلة تراعي الاختلاف والتنوع وتسهم في تمكين المتعلمين ذوي صعوبات التعلم من فرص حقيقية للنجاح الدراسي والاندماج الاجتماعي.

ثالثا: فرص الإدماج الرقمي

يوفر التعليم الرقمي فرصا حقيقية لتعزيز الإدماج التربوي للمتعلمين ذوي صعوبات التعلم من خلال قدرته على تجاوز عدد من الحواجز الفيزيقية والبيداغوجية والنفسية التي تعيق اندماجهم في أنماط التعليم التقليدي. فبفضل البيئات الرقمية لم يعد التعلم مرتبطا حصريا بالفضاء المدرسي أو بزمن دراسي موحد، بل أصبح أكثر انفتاحا ومرونة الأمر الذي يتيح للمتعلمين ذوي صعوبات التعلم الاستفادة من فرص تعلم متكافئة تراعي خصوصياتهم المعرفية والإيقاعية وتحد من مظاهر الإقصاء غير المباشر داخل الفصول الدراسية.

تساهم الأدوات الرقمية في تيسير التواصل التربوي بين المدرس والمتعلم والأسرة من خلال منصات التعلم الإلكتروني وتطبيقات التواصل التربوي مما يسمح بتتبع مستمر للتعلمات وتبادل المعطيات حول تقدم المتعلم والصعوبات التي يواجهها واقتراح تدخلات داعمة في الوقت المناسب. ويعد هذا التنسيق التواصلي عنصرا محوريًا في إنجاح الإدماج التربوي خاصة بالنسبة للمتعلمين ذوي صعوبات التعلم الذين يحتاجون إلى مواكبة متواصلة وتدخلات متعددة المستويات داخل المدرسة وخارجها. كما تتيح هذه الأدوات إمكانية توثيق المسار التعلمي للمتعلم وتحليل أدائه بشكل دوري بما يساعد المدرس على اتخاذ قرارات بيداغوجية قائمة على معطيات دقيقة. ومن فرص الإدماج الرقمي كذلك الاستفادة من الموارد التعليمية المفتوحة والمنصات الرقمية العالمية التي توفر محتويات تعليمية متنوعة ومصممة خصيصا لدعم صعوبات التعلم اعتمادا على مقاربات بيداغوجية حديثة مثل التعلم المتمايز والتعلم القائم على اللعب والتعلم التفاعلي. تتميز هذه الموارد بإمكانية الولوج المجاني أو منخفض التكلفة وتعدد صيغها مما يسمح بتكييفها مع حاجات المتعلمين المختلفة سواء من حيث المستوى أو نوع الصعوبة أو نمط التعلم المفضل. ويسهم هذا التنوع في توسيع آفاق التعلم وكسر محدودية الكتاب المدرسي وتمكين المتعلمين من بناء معارفهم بطرائق أكثر تحفيزا وفاعلية. كما يتيح الإدماج الرقمي إمكانيات جديدة لتعزيز مبدأ تكافؤ الفرص من خلال تقليص الفوارق التعليمية الناتجة عن العوامل الجغرافية أو الاجتماعية وتمكين المتعلمين ذوي صعوبات التعلم من الاستفادة من نفس الموارد والدعم الذي يحصل عليه أقرانهم. غير أن تحقيق هذا الهدف يظل مشروطا بتوفير شروط الولوج العادل إلى التكنولوجيا الرقمية وتكوين المدرسين على توظيفها توظيفا بيداغوجيا دامجا يضع المتعلم في صلب العملية التعليمية. وعليه فإن التعليم الرقمي إذا ما تم إدماجه ضمن رؤية تربوية شمولية يمكن أن يشكل رافعة أساسية لتحقيق الإدماج التربوي وتعزيز العدالة التعليمية وضمان حق المتعلمين ذوي صعوبات التعلم في تعليم ذي جودة.

رابعا: مخاطر الفجوة الرقمية

رغم ما يتيحه التعليم الرقمي من إمكانيات واسعة لتطوير الممارسة التربوية وتعزيز الإدماج فإنه يطرح في المقابل مخاطر حقيقية لعل أبرزها الفجوة الرقمية التي تعكس مظاهر عدم تكافؤ الفرص في الولوج إلى التكنولوجيا الرقمية واستخدامها استخداما فعالًا ولا تقتصر هذه الفجوة على غياب الأجهزة أو ضعف الاتصال بالإنترنت، بل تمتد لتشمل تفاوتا في امتلاك الكفايات الرقمية وفي القدرة على استثمار الموارد التكنولوجية لأغراض تعليمية، وتؤثر هذه الفجوة بشكل خاص على المتعلمين ذوي صعوبات التعلم؛ حيث قد يجدون أنفسهم أمام عائق مزدوج يتمثل في الصعوبة التعلمية من جهة وغياب الوسائل الرقمية الداعمة من جهة أخرى مما قد يؤدي إلى تعميق مظاهر الإقصاء بدل الحد منها. تزداد حدة هذه الإشكالية في الأوساط الاجتماعية الهشة والمناطق ذات البنية التحتية المحدودة؛ حيث يصبح التعليم الرقمي عاملا لإعادة إنتاج اللامساواة التعليمية بدل أن يكون أداة لتحقيق العدالة التربوية. ففي غياب ولوج منتظم إلى الأجهزة الرقمية والإنترنت يفقد المتعلمون ذوو صعوبات التعلم فرص الاستفادة من البرمجيات المساعدة والموارد التفاعلية التي يفترض أن تشكل دعامة أساسية لإدماجهم التعليمي. كما أن ضعف الدعم الأسري في المجال الرقمي قد يفاقم من صعوبة تتبع التعلمات خاصة لدى الفئات التي تتطلب مواكبة مستمرة.

ومن جهة أخرى يشكل ضعف التكوين الرقمي والبيداغوجي للمدرسين أحد التحديات الأساسية التي تحد من فعالية التعليم الرقمي، إذ يؤدي غياب الكفايات الرقمية المهنية إلى توظيف تقني سطحي يركز على الجانب الأداتي للتكنولوجيا دون استحضار أبعادها البيداغوجية والتربوية. ويترتب عن هذا الوضع استخدام غير ملائم للأدوات الرقمية لا يراعي الخصوصيات التعليمية للمتعلمين ذوي صعوبات التعلم ولا يستثمر إمكانيات التكيف والتفريد التي يتيحها التعليم الرقمي، كما أن غياب التكوين في مجال التربية الدامجة والتصميم البيداغوجي الرقمي قد يحول دون إنتاج محتويات تعليمية قابلة للولوج الشامل. وبالتالي تضاف إلى ذلك مخاطر مرتبطة بجودة المحتوى الرقمي؛ حيث إن بعض الموارد التعليمية الرقمية لا تخضع لمعايير بيداغوجية واضحة ولا تراعي مبادئ التدرج والوضوح والبساطة مما قد يزيد من العبء المعرفي على المتعلمين ذوي صعوبات التعلم، كما أن الاعتماد المفرط على الوسائط الرقمية دون توجيه تربوي قد يؤدي إلى تشتت الانتباه أو تقليص التفاعل الإنساني الذي يظل عنصرا أساسيا في دعم التعلمات وبناء العلاقات التربوية الداعمة. وعليه فإن مواجهة مخاطر الفجوة الرقمية تقتضي تبني سياسات تربوية شمولية تقوم على الاستثمار في البنية التحتية الرقمية وتعميم الولوج العادل إلى التكنولوجيا وتعزيز التكوين المستمر للمدرسين في مجال التعليم الرقمي الدامج، كما تستدعي وضع أطر تنظيمية ومعايير بيداغوجية تضمن جودة المحتوى الرقمي وتراعي حاجات المتعلمين ذوي صعوبات التعلم بما يسهم في تحويل التعليم الرقمي من عامل محتمل للإقصاء إلى رافعة حقيقية للإدماج والإنصاف التربوي.

خاتمة

جوهر القول أن التعليم الرقمي يشكل رافعة استراتيجية لتعزيز إدماج المتعلمين ذوي صعوبات التعلم لما يوفره من إمكانيات بيداغوجية مرنة تتيح تكييف التعلمات وفق الخصوصيات الفردية وتدعم مبدأ الإنصاف داخل المنظومة التعليمية. غير أن تحقيق هذه الإمكانيات يظل مشروطا بمدى إدماج التعليم الرقمي ضمن رؤية تربوية شمولية لا تقتصر على التحديث التقني بل تنطلق من مقاربة دامجة تجعل حاجات المتعلمين في صلب السياسات التعليمية والتخطيط التربوي. فالتكنولوجيا في حد ذاتها لا تضمن الإدماج ما لم تقترن بإرادة مؤسساتية واضحة وإطار تنظيمي يوجه توظيفها نحو خدمة الفئات التي تواجه صعوبات تعلمية.

يبرز في هذا السياق دور السياسات العمومية في إرساء عدالة رقمية حقيقية من خلال تعميم الولوج إلى البنية التحتية الرقمية وضمان تكافؤ الفرص في الاستفادة من الموارد التعليمية الرقمية خاصة بالنسبة للمتعلمين ذوي صعوبات التعلم كما يتطلب الأمر استثمارا مستداما في تكوين المدرسين ليس فقط على مستوى الكفايات التقنية وإنما كذلك على مستوى الكفايات البيداغوجية الدامجة التي تمكنهم من تصميم محتويات رقمية قابلة للتكيف وتوظيف الأدوات التكنولوجية توظيفا واعيا يستحضر الفروق الفردية وأنماط التعلم المختلفة. وبالتالي يعد هذا التكوين شرطا أساسيا لتحويل التعليم الرقمي من ممارسة تقنية معزولة إلى ممارسة تربوية فعالة ومؤثرة.

كما أن نجاح التعليم الرقمي في دعم الإدماج يقتضي اعتماد مقاربات بيداغوجية حديثة مثل التعلم المتمايز والتعلم المرن والتصميم الشامل للتعلم بما يسمح بإزالة العوائق التعليمية قبل ظهورها بدل الاكتفاء بمعالجتها بعد تفاقمها ويسهم هذا التوجه الوقائي في الحد من الفشل المدرسي وتعزيز الاستمرارية التعليمية وتمكين المتعلمين ذوي صعوبات التعلم من بناء مسارات تعليمية ناجحة تحترم قدراتهم وتثمن إمكانياتهم، في إطار مشروع تربوي ومجتمعي يهدف إلى ضمان حق جميع المتعلمين بمن فيهم ذوو صعوبات التعلم في تعليم ذي جودة داعم للاندماج الاجتماعي ومحفز على المشاركة الفاعلة في مجتمع المعرفة.

لائحة المراجع

بن عبد الله أحمد، (2020)، التربية الدامجة وصعوبات التعلم، الرباط: دار الأمان.

حمدان محمد، (2019)، تكنولوجيا التعليم والدمج المدرسي، عمان: دار المسيرة.

الزهراني عبد الله، (2021)، التعليم الرقمي وتحولات الممارسة التربوية، مجلة التربية المعاصرة.

تعليقات