دور التطبيقات التكنولوجية الذكية في تعزيز الصحة النفسية لدى المتعلمين ذوي الاحتياجات الخاصة

 

دور التطبيقات التكنولوجية الذكية في تعزيز الصحة النفسية لدى المتعلمين ذوي الاحتياجات الخاصة


تقديم

في ظل الدعم المتزايد الذي تبديه الهيئات الصحية الدولية لاعتماد التكنولوجيات الحديثة والذكاء الاصطناعي في خدمة الصحة العامة، ولاسيما في سياق تحقيق أهداف التنمية المستدامة المرتبطة بضمان الحق في الصحة للجميع، عبرت منظمة الصحة العالمية عن جملة من التحفظات المرتبطة بالمخاطر المحتملة لهذا التوجه، إذ حذرت المنظمة من إمكانية إنتاج معطيات صحية غير دقيقة أو متحيزة أو غير مكتملة بما قد ينعكس سلبا على الأفراد الذين يعتمدون على هذه المعلومات في اتخاذ قرارات مصيرية تتعلق بصحتهم. وترجع هذه المخاطر إلى عوامل متعددة من بينها جودة البيانات المستخدمة ونوعية المنهجيات المعتمدة في المعالجة والتحليل واحتمالات التحيز البشري المتعمد أو غير المتعمد فضلا عن التحديات المرتبطة بأمن المعلومات والتهديدات السيبرانية.

وفي هذا الإطار أصدرت منظمة الصحة العالمية مجموعة من الإرشادات التنظيمية المتعلقة باستخدامات الذكاء الاصطناعي في القطاع الصحي شملت طيفا واسعا من التطبيقات، وتتمثل هذه التطبيقات أولا في دعم التشخيص والرعاية السريرية، بما في ذلك التفاعل مع استفسارات المرضى وتقديم الاستشارات الصحية وثانيا في تحليل الأعراض المرضية والمساهمة في اقتراح العلاجات الملائمة وثالثا في توظيف البيانات الصحية لرصد المؤشرات المرضية وتوجيه التدخلات العلاجية ورابعا في الاستعمالات الإدارية والتوثيقية الهادفة إلى تنظيم الخدمات الصحية وبناء السجلات الطبية الإلكترونية وأخيرا في المجالين التربوي والتكويني في تخصصات الطب والتمريض عبر المحاكاة والتدريب التفاعلي، إضافة إلى توظيف الذكاء الاصطناعي في البحث العلمي وتطوير الصناعات الدوائية.

وبخصوص الانتشار الواسع لتطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي، أكد عدد من الباحثين من بينهم جيريمي فاراري على ضرورة تبني مقاربة استباقية تقوم على تحديد المخاطر المرتبطة بهذه التقنيات وإدارتها بشكل شامل مع تعزيز الشفافية في ما يتعلق بسياسات تصميم النماذج الذكية وتطويرها وتنظيم استخدامها.

وفي ضوء هذا التحول يتزايد حضور تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجالات متعددة من قبيل التسويق والخدمات المصرفية والنقل والتعليم والبحث العلمي والأعمال المكتبية والاستشارية الأمر الذي ينبئ ببروز نمط جديد من التفاعل الإنساني تتداخل فيه حدود الواقع المادي والافتراضي، ويكتسي هذا التحول أهمية خاصة في مجال الصحة العامة ولاسيما الصحة النفسية؛ للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة وباقي الفئات الأخرى؛ حيث يساهم دمج تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي في إرساء أنماط جديدة من الرعاية النفسية تتسم بدرجة أعلى من التفريد والفعالية وسهولة الولوج إلى الخدمات بما يستجيب للحاجيات المتزايدة للمجتمعات المعاصرة.

أولا: تعريف الصحة النفسية في سياق التربية الدامجة


يعد مفهوم الصحة النفسية من المفاهيم المركبة التي حظيت باهتمام واسع في العلوم النفسية والتربوية، وقد تعددت تعريفاته تبعا لاختلاف المرجعيات النظرية والمقاربات المنهجية التي ينطلق منها الباحثون. فالصحة النفسية لا تختزل في غياب الاضطرابات النفسية فحسب بل تتجاوز ذلك لتشمل مجموعة من العوامل النفسية والاجتماعية والانفعالية التي تمكن الفرد من تحقيق التوازن والتكيف الإيجابي مع ذاته ومع محيطه الاجتماعي.

تعرف الصحة النفسية بوصفها نسقا متكاملا من المقومات الشخصية والاجتماعية التي تتفاعل فيما بينها لتحقيق توافق الفرد مع ذاته وقبوله لنفسه وشعوره بالرضا عنها، إلى جانب قدرته على التكيف البناء مع البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها بما يفضي إلى إحساسه بالسعادة وتحقيقه لذاته ويساهم في الوقت ذاته في تطور المجتمع واستقراره، كما تشير إلى قدرة الفرد على إقامة علاقات اجتماعية سليمة قائمة على التفاهم والانسجام، والتفاعل الإيجابي مع الآخرين في مختلف المواقف الحياتية. إذ تفهم الصحة النفسية أيضا على أنها حالة نسبية من الاستقرار النفسي والاتزان الانفعالي تمكن الفرد من مواجهة الضغوط والتحديات اليومية بكفاءة والتعامل مع الأزمات الحياتية دون الوقوع في اختلالات نفسية حادة مع الاحتفاظ بدرجة مناسبة من المرونة النفسية والقدرة على التكيف، وفي هذا الإطار يرتبط مفهوم الصحة النفسية ارتباطا وثيقا بتحقيق الذات والشعور بالكفاءة والقدرة على اتخاذ القرارات وتحمل المسؤولية وممارسة الأدوار الاجتماعية بفاعلية.

وفي سياق التربية الدامجة يكتسب مفهوم الصحة النفسية بعدا أكثر شمولية، إذ ينظر إليها كعنصر أساسي لضمان إدماج جميع المتعلمين بمن فيهم ذوو الاحتياجات الخاصة وصعوبات التعلم في بيئة تعليمية داعمة وآمنة نفسيا. فالصحة النفسية في التربية الدامجة تعني توفير مناخ تربوي يعزز الشعور بالانتماء والقبول والاحترام المتبادل ويحد من مظاهر الوصم والإقصاء والتمييز بما يدعم النمو النفسي والاجتماعي المتوازن للمتعلمين. كما تسهم الصحة النفسية الجيدة في السياق المدرسي الدامج في تعزيز الدافعية للتعلم وبناء مفهوم إيجابي للذات وتنمية الكفايات الاجتماعية والانفعالية، وهو ما ينعكس إيجابا على التحصيل الدراسي والتكيف المدرسي، ومن ثم  فإن الاهتمام بالصحة النفسية يعد ركيزة أساسية لنجاح سياسات التربية الدامجة، إذ لا يمكن تحقيق تعليم عادل ومنصف دون مراعاة الأبعاد النفسية والانفعالية للمتعلمين إلى جانب الأبعاد المعرفية والأكاديمية.

ثانيا: التطبيقات التكنولوجية الموجهة لذوي الاحتياجات الخاصة في سياق التربية الدامجة

أضحى توظيف التكنولوجيا في مجال التربية الدامجة من الركائز الأساسية لضمان الحق في تعليم منصف وشامل لفائدة المتعلمين من ذوي الاحتياجات الخاصة ولاسيما أولئك الذين يعانون من صعوبات التعلم بمختلف أشكالها، وقد أفرز هذا التحول الرقمي تساؤلات جوهرية حول مدى قدرة التكنولوجيات الحديثة على تمكين هذه الفئة من تجاوز العوائق الوظيفية والتعلمية بل وتحويل الإعاقة من عامل محدودية إلى مصدر للقوة وبناء الثقة بالنفس وتعزيز الشعور بالكفاءة والاستقلالية. بالرغم من أن معظم المنتجات التكنولوجية صممت في الأصل لتلبية حاجيات الأفراد العاديين فإن الوعي المتزايد بقضايا الإعاقة وحقوق الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة أسهم في بروز توجه عالمي يدعو إلى تكييف التكنولوجيا وجعلها أكثر شمولية. وفي هذا السياق أكدت منظمة الصحة العالمية أن نسبة مهمة من سكان العالم تعاني من إعاقات متفاوتة الأمر الذي يستدعي اعتماد مقاربات حقوقية ونفسية واجتماعية وتربوية مبتكرة تضمن استفادتهم العادلة من منجزات الثورة الرقمية خصوصا في مجالي التعليم والتكوين.

1- أنواع التطبيقات التكنولوجية الداعمة للتربية الدامجة

تتعدد التطبيقات التكنولوجية الموجهة لذوي الاحتياجات الخاصة تبعا لطبيعة الإعاقة ودرجة حدتها ويمكن تصنيفها ضمن المحاور التالية:

أ- التطبيقات المساعدة لصعوبات التعلم

تشمل هذه الفئة برمجيات تعليمية تفاعلية تعتمد على التدرج في تقديم المحتوى والتعلم القائم على المحاكاة والتكرار المنظم، بما يساعد المتعلمين الذين يعانون من عسر القراءة أو عسر الكتابة أو اضطرابات الانتباه على فهم المعارف واكتساب المهارات الأساسية، كما تسهم هذه التطبيقات في تقليص الفجوات الفردية وتحسين مستوى التحصيل الدراسي.

ب- التطبيقات الموجهة للإعاقة البصرية

تتضمن تقنيات قارئات الشاشة وبرامج تحويل النص إلى صوت وتطبيقات تكبير الخطوط وتعديل الألوان والتباين، فضلا عن البرمجيات الداعمة للكتابة بطريقة برايل الرقمية. وتعد هذه الأدوات أساسية لضمان ولوج المتعلمين ذوي الإعاقة البصرية إلى المحتوى التعليمي بجودة مماثلة لما يحصل عليه أقرانهم.

ج- التطبيقات المخصصة للإعاقة السمعية

تشمل تطبيقات الترجمة الفورية للغة الإشارة وتحويل الكلام المنطوق إلى نص مكتوب والوسائط التعليمية المرئية التفاعلية التي تعزز الفهم وتيسر التواصل داخل الفصول الدراسية الدامجة وتسهم في الحد من العزلة الاجتماعية.

د- التطبيقات الداعمة للإعاقة الحركية

تتمثل في البرمجيات التي تسمح بالتحكم في الحاسوب باستخدام العين أو الصوت ولوحات مفاتيح افتراضية قابلة للتخصيص وأجهزة إدخال بديلة بما يمكن المتعلمين من المشاركة الفعالة في الأنشطة التعليمية رغم القيود الحركية.

2- دور جودة التعليم رقمي في إنجاح التربية الدامجة

لا تقتصر فعالية التكنولوجيا التعليمية على توفر الأجهزة والتطبيقات بل ترتبط أساسًا بجودة المحتوى الرقمي المقدم، فالمحتوى الجيد هو الذي يراعي الخصائص النمائية والنفسية والمعرفية للمتعلمين ذوي الاحتياجات الخاصة ويعتمد مبادئ التصميم الشامل للتعلم (UDL)، من خلال تنويع أساليب العرض وتعدد قنوات التفاعل وتوفير تغذية راجعة فورية ومحفزة. وتسهم جودة هذه التقنيات في تعزيز الدافعية للتعلم والحد من التوتر والقلق النفسي وتنمية المهارات الاجتماعية والانفعالية، فضلا عن دعم الاستقلالية وبناء مفهوم إيجابي للذات، كما تساعد التطبيقات التعليمية عالية الجودة على دمج المتعلمين داخل الفصول العادية وتشجيع التعاون والتفاعل مع الأقران بما يحقق الأهداف الجوهرية للتربية الدامجة.

3- الوظائف التربوية والاجتماعية للتكنولوجيا في دعم الإدماج

تؤدي تكنولوجيا التعليم في مجال الإعاقة وظائف متعددة من أبرزها:

        §       تيسير الولوج إلى المعرفة وتقليص الحواجز التعليمية.

        §       تعزيز التعلم الذاتي والتعلم حسب الوتيرة الفردية.

        §       دعم التكيف النفسي والاجتماعي وتقوية الثقة بالنفس.

        §       تنمية المهارات الأكاديمية والحياتية اللازمة للاندماج المجتمعي.

        §       تقليل الاعتماد على الآخرين وتعزيز الاستقلالية الوظيفية.

ثالثا: أثر التطبيقات على التكيف النفسي والانفعالي والاجتماعي


يعد التكيف النفسي والاجتماعي من المفاهيم المركزية في علم النفس لما له من ارتباط وثيق بقدرة الفرد على تحقيق التوازن بين متطلباته الداخلية وظروفه البيئية والاجتماعية، وقد نظر العديد من علماء النفس إلى التكيف باعتباره جوهر العملية النفسية ذاتها، إذ عرف علم النفس في بعض اتجاهاته على أنه العلم الذي يدرس مدى قدرة الفرد على التفاعل الإيجابي مع بيئته والاستجابة لمتغيراتها المتنوعة. ويفهم التكيف في هذا السياق بوصفه عملية دينامية مستمرة يقوم من خلالها الفرد بتعديل سلوكه أو بنيته النفسية أو إدراكه للواقع بما يتيح له إشباع حاجاته وتحقيق درجة مقبولة من الرضا النفسي والاجتماعي؛ حيث يتفق أغلب الباحثين على اختلاف مدارسهم النظرية على أن التكيف نتاج تفاعل تبادلي بين الفرد بما يمتلكه من قدرات معرفية وانفعالية ودافعية وبين بيئته الاجتماعية والثقافية بما تفرضه من مطالب ومعايير. ومن هذا المنطلق لا ينظر إلى التكيف على أنه حالة ثابتة بل عملية نسبية تتأثر بسياق النمو والخبرات الحياتية ومستوى الدعم الاجتماعي وطبيعة الموارد المتاحة للفرد ومن بينها الموارد التكنولوجية.

1- التكيف النفسي في ضوء التحولات التكنولوجية

مع التسارع المتزايد في توظيف التطبيقات التكنولوجية في مختلف مجالات الحياة برزت هذه التطبيقات كأحد العوامل المؤثرة في أنماط التكيف النفسي والانفعالي لاسيما لدى الفئات الهشة وذوي الاحتياجات الخاصة، فالتكنولوجيا حين تصمم وفق معايير الجودة والتصميم الشامل تسهم في تخفيف الضغوط النفسية وتعزيز الشعور بالكفاءة الذاتية وتوسيع فرص التفاعل الاجتماعي الإيجابي؛ حيث تشير الأدبيات النفسية المعاصرة إلى أن التطبيقات الرقمية التفاعلية مثل برامج الدعم النفسي ومنصات التعلم الإلكتروني والتطبيقات المساعدة على التنظيم الذاتي وإدارة الانفعالات تؤدي دورا مهما في تعزيز التكيف النفسي من خلال تمكين الفرد من فهم ذاته وتنظيم استجاباته الانفعالية والتعامل بمرونة مع المواقف الضاغطة. ويتقاطع هذا الطرح مع التصورات المعرفية التي تؤكد أن إدراك الفرد للموقف وتقييمه المعرفي له دور حاسم في تحديد أساليب المواجهة والتكيف، كما بين ذلك لازاروس وفولكمان في نظريتهما حول التقييم المعرفي للضغوط النفسية.

2- التطبيقات التكنولوجية والنظريات المفسرة للتكيف

من منظور التحليل النفسي يسهم استخدام التطبيقات التكنولوجية الداعمة للصحة النفسية في تعزيز قوة الأنا عبر مساعدة الفرد على تحقيق توازن أفضل بين الدوافع الداخلية ومتطلبات الواقع الاجتماعي خاصة عندما توفر هذه التطبيقات فضاءات آمنة للتعبير الانفعالي والتفريغ النفسي. أما من زاوية النظرية السلوكية فتعد التطبيقات الرقمية أدوات فعالة في تعديل السلوك من خلال آليات التعزيز الفوري والتغذية الراجعة المستمرة بما يدعم اكتساب أنماط سلوكية تكيفية ويحد من السلوكيات غير المتوافقة.

وفي إطار النظرية الإنسانية تسهم التكنولوجيا في دعم تحقيق الذات عبر توفير فرص التعلم الذاتي وتعزيز الاستقلالية وإشباع حاجات الانتماء والتقدير، وهي حاجات أساسية لتحقيق التوافق النفسي والاجتماعي. كما تؤكد النظرية الواقعية أن التطبيقات التكنولوجية تساعد الفرد على إدراك مسؤولياته واختيار سلوكياته بشكل واع بما يعزز سيطرته على حياته وقدرته على إشباع حاجاته النفسية الأساسية. أما المقاربة المعرفية فتنظر إلى التكنولوجيا بوصفها أداة فاعلة في إعادة بناء الأفكار والتصورات غير العقلانية وتنمية مهارات التفكير الإيجابي ما ينعكس إيجابًا على التكيف النفسي والانفعالي.

رابعا: تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الدعم النفسي ودلالاتها التربوية في التربية الدامجة: دروس مستخلصة من تجارب ميدانية

أفرز التطور المتسارع في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي تحولات نوعية في مجال الرعاية النفسية لاسيما من خلال تطبيقات رقمية تفاعلية تهدف إلى الكشف المبكر عن الاضطرابات النفسية ودعم التقييم السريري وتحسين التنسيق العلاجي؛ حيث تمثل هذه التطبيقات مجالا واعدا لاستخلاص دروس ميدانية ذات أهمية بالغة بالنسبة للتربية الدامجة خاصة في ما يتعلق بدعم التكيف النفسي والانفعالي للمتعلمين ذوي الاحتياجات الخاصة داخل البيئات التعليمية.

1- المقابلات العلاجية الافتراضية ودعم الإفصاح النفسي لدى المتعلمين


يعد تطبيق Ellie  نموذجا رائدا في استخدام الشخصيات الافتراضية المدعومة بالذكاء الاصطناعي لإجراء مقابلات شبه علاجية مع الأفراد الذين يعانون من اضطرابات نفسية مثل الاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة، وتعتمد هذه التجربة على توظيف إشارات سمعية وبصرية غير حكمية تشجع المستخدمين على الإفصاح الانفعالي بحرية أكبر مقارنة بالمقابلات البشرية التقليدية؛ حيث تكشف هذه التجربة عن دلالة تربوية مهمة في سياق التربية الدامجة، إذ تشير نتائج أبحاث ميدانية إلى أن بعض المتعلمين ذوي الاحتياجات الخاصة خصوصًا ذوي صعوبات التعلم أو اضطرابات القلق الاجتماعي يميلون إلى التعبير عن مشاعرهم بشكل أكثر انفتاحا في بيئات رقمية آمنة وخالية من التقييم الاجتماعي المباشر. وعليه يمكن استثمار نماذج مشابهة داخل المؤسسات التعليمية لتقديم دعم نفسي أولي أو كآلية مساندة لرصد مؤشرات الضيق النفسي والتكيف المدرسي دون أن تحل محل الأخصائي النفسي.

2- مطابقة الدعم النفسي والتربوي وفق الاحتياجات الفردية

يمثل تطبيقHealth Quartet  تجربة ميدانية أخرى توضح إمكانات الذكاء الاصطناعي في تحليل بيانات الأفراد النفسية والسلوكية بهدف مطابقتهم مع الموارد العلاجية الأنسب. ويظهر هذا النموذج كيف يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين جودة الرعاية من خلال التخصيص المبكر للتدخلات .

وفي المجال التربوي الدامج تبرز أهمية هذا النهج في تصميم خطط دعم فردية للمتعلمين ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث يمكن للأنظمة الذكية تحليل معطيات متعددة (الأداء الدراسي، السلوك الصفي، المؤشرات الانفعالية) واقتراح تدخلات نفسية وتربوية ملائمة، بما يعزز مبدأ الإنصاف ويحدّ من التدخلات العشوائية أو غير الدقيقة.

3-  التشخيص المدعوم بالذكاء الاصطناعي وانعكاساته على التعلم الدامج


تشير تجارب تطبيقات مثل Mindstrong Health وEllipsis  Health إلى إمكانات الذكاء الاصطناعي في جمع بيانات موضوعية مستمرة حول الوظائف المعرفية والانفعالية عبر تحليل أنماط التفاعل الرقمي أو الصوتي؛ حيث تظهر هذه التطبيقات أن التغيرات الدقيقة في السلوك الرقمي قد تشكل مؤشرات مبكرة على اضطرابات نفسية أو صعوبات تكيفية. أما فيما يخص السياق التعليمي يمكن إسقاط هذه التجارب على دراسة حالات متعلمين يعانون من تراجع مفاجئ في الأداء أو من صعوبات في الانتباه والتفاعل الاجتماعي. إذ يتيح الذكاء الاصطناعي إمكانية الرصد المبكر لمؤشرات عدم التكيف النفسي والانفعالي مما يسمح بتدخل تربوي داعم قبل تفاقم المشكلات وتحولها إلى عوائق تعليمية مزمنة.

4-  الذكاء الاصطناعي كأداة مساندة لا بديلا عن التدخل البشري


تؤكد مجمل هذه التجارب الميدانية أن الذكاء الاصطناعي لا ينظر إليه بوصفه بديلا عن الحكم السريري أو التربوي بل كأداة داعمة تثري عملية التقييم والتدخل. فالتحديات المرتبطة بدقة التشخيص والتعامل مع تعقيد الانفعالات الإنسانية وحماية الخصوصية تفرض ضرورة الإشراف البشري المستمر خاصة عند التعامل مع فئات هشة كالمتعلمين ذوي الاحتياجات الخاصة.

5-  دلالات هذه التجارب على جودة التربية الدامجة

تبرز هذه التطبيقات أن جودة التربية الدامجة لا ترتبط فقط بتكييف المناهج أو الوسائل التعليمية بل تشمل أيضا توفير دعم نفسي رقمي عالي الجودة قائم على التخصيص والوقاية والكشف المبكر. كما تظهر أن الذكاء الاصطناعي إذا ما أُدرج ضمن رؤية أخلاقية وتربوية واضحة يمكن أن يسهم في تعزيز التكيف النفسي والاجتماعي وبناء الشعور بالأمان والانتماء وتحسين تجربة التعلم لدى المتعلمين ذوي الاحتياجات الخاصة.

تدل التجارب الميدانية لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في الصحة النفسية على إمكانات واعدة لإعادة التفكير في آليات الدعم النفسي داخل التربية الدامجة، فهذه التطبيقات تفتح آفاقا جديدة لتقديم تدخلات مبكرة وأكثر حساسية للفروق الفردية شريطة أن تدمج ضمن منظومة تربوية شمولية تحترم البعد الإنساني وتحافظ على الدور المركزي للفاعل البشري في التوجيه والتقويم.

خامسا: توصيات لتحسين فعالية التطبيقات التكنولوجية في مجال التربية الدامجة للمتعلمين ذوي الاحتياجات الخاصة

أفرز التطور المتسارع في التكنولوجيات الرقمية ولاسيما التطبيقات الذكية تحولات جوهرية في أنماط التعليم والتعلم، مما أتاح فرصا جديدة لتعزيز التربية الدامجة وضمان حق المتعلمين ذوي الاحتياجات الخاصة في تعليم منصف وعادل، غير أن فعالية هذه التطبيقات لا تتحقق تلقائيا بمجرد إدماجها داخل الفضاء المدرسي، بل تتطلب مقاربة علمية شمولية تراعي الخصائص النفسية والمعرفية والانفعالية لهؤلاء المتعلمين. وانطلاقا من هذا المعطى تهدف هذه المقالة إلى تقديم مجموعة من التوصيات العلمية المستندة إلى المنظور السيكولوجي والتربوي من أجل تحسين فعالية التطبيقات التكنولوجية في دعم التربية الدامجة وتعزيز الصحة النفسية للمتعلمين ذوي الاحتياجات الخاصة.

1-  اعتماد التصميم المتمركز حول المتعلم

تعد مراعاة الفروق الفردية حجر الزاوية في التربية الدامجة وهو ما يقتضي أن تصمم التطبيقات التكنولوجية وفق مقاربة تتمحور حول المتعلم لا حول المحتوى فقط. فالتطبيقات الفعالة هي تلك التي تستجيب لقدرات المتعلم المعرفية ونمط تعلمه ومستواه النمائي ونوع الإعاقة التي يعاني منها، ويوصى بتوفير واجهات مرنة قابلة للتخصيص تسمح بتعديل حجم الخط والألوان والإيقاع الزمني للأنشطة ونمط التفاعل بما يضمن شعور المتعلم بالتحكم والاستقلالية وهو عنصر أساسي في تعزيز الدافعية والصحة النفسية.

2- إدماج البعد النفسي والانفعالي في بناء التطبيقات

لا ينبغي أن يقتصر دور التطبيقات التعليمية على نقل المعارف بل يجب أن تتضمن آليات لدعم التوازن النفسي والانفعالي للمتعلمين ذوي الاحتياجات الخاصة. وتشير الأدبيات السيكولوجية إلى أن هذه الفئة أكثر عرضة للقلق المدرسي وانخفاض تقدير الذات والشعور بالإقصاء. لذلك يوصى بتضمين عناصر تشجيعية وتغذية راجعة إيجابية ورسائل داعمة تعزز الثقة بالنفس إضافة إلى أنشطة تفاعلية تنمي المهارات الاجتماعية والانفعالية مثل التعرف على المشاعر وتنظيم الانفعالات وحل المشكلات.

3-  توظيف الذكاء الاصطناعي في التتبع والدعم الفردي

يمثل الذكاء الاصطناعي أداة واعدة لتحسين فعالية التطبيقات الدامجة من خلال تمكينها من تتبع تقدم المتعلم بشكل مستمر وتحليل أنماط أدائه والكشف المبكر عن الصعوبات النفسية أو التعلمية.  وبالتالي ترمي المقالة  بتطوير تطبيقات قادرة على تقديم تدخلات تعليمية ونفسية مكيّفة بناء على معطيات دقيقة مع الحرص على أن يكون الذكاء الاصطناعي داعما للمدرس والأخصائي النفسي لا بديلا عنهما احترامًا لمبدأ الإشراف البشري والبعد الأخلاقي.

4-  تعزيز تكوين المدرسين والأطر التربوية

تظل فعالية أي تطبيق تكنولوجي رهينة بمدى كفاءة المستخدمين له خاصة المدرسين  لذلك توصي الدراسة  بضرورة إدراج تكوينات متخصصة لفائدة الأطر التربوية حول كيفية توظيف التطبيقات الدامجة بطريقة نفسية تربوية سليمة تراعي حاجات المتعلمين ذوي الاحتياجات الخاصة. كما ينبغي تمكين المدرسين من مهارات تحليل المعطيات التي توفرها هذه التطبيقات واستثمارها في التخطيط البيداغوجي والدعم النفسي الفردي.

5-  ضمان أخلاقيات الاستخدام وحماية المعطيات

تطرح التطبيقات التكنولوجية خاصة تلك المعتمدة على الذكاء الاصطناعي تحديات أخلاقية ونفسية مرتبطة بحماية المعطيات الشخصية للمتعلمين وخصوصًا الفئات الهشة. وعليه يستلزم الأمر بضرورة احترام مبادئ الخصوصية والشفافية والموافقة المستنيرة وتجنب أي ممارسات قد تؤدي إلى الوصم أو التمييز. إن الإحساس بالأمان الرقمي يعد شرطا أساسيا للحفاظ على الصحة النفسية للمتعلمين.

خاتمة

خلاصة القول إن التطبيقات التكنولوجية متى تم تصميمها وتوظيفها وفق مقاربة دامجة وسيكولوجية واعية يمكن أن تشكل رافعة أساسية لتعزيز الصحة النفسية للمتعلمين ذوي الاحتياجات الخاصة، فهي لا تسهم فقط في تحسين التحصيل الدراسي بل تلعب دورا محوريا في دعم الشعور بالانتماء وبناء تقدير الذات وتنمية الاستقلالية والحد من القلق والإقصاء. غير أن تحقيق هذه الغايات يظل مشروطا بتكامل الأدوار بين التكنولوجيا والمدرس والأخصائي النفسي وصانع القرار التربوي في أفق بناء منظومة تعليمية دامجة إنسانية وعادلة تجعل من المتعلم محورا حقيقيا لكل إصلاح تربوي.

لائحة المراجع

عبد الرحمن سعد جلال (2018)، الصحة النفسية: مفاهيمها ونظرياتها وتطبيقاتها التربوية، القاهرة، دار الفكر العربي.

الزهراني عبد الله بن حسين (2020، الصحة النفسية والتوافق النفسي والاجتماعي، الرياض، مكتبة الرشد.

حمدان محمد عبد الرحمن (2019)،التربية الدامجة، الأسس النظرية والتطبيقات التربوية، عمّان، دار المسيرة.

عبد العزيز حسن أحمد (2021)، الصحة النفسية في البيئة المدرسية، القاهرة، عالم الكتب.

منظمة الصحة العالمية (2022)، تعزيز الصحة النفسية في البيئات التعليمية، جنيف.

Références en Anglais

Lazarus, R. S., & Folkman, S. (1984). Stress, appraisal, and coping Springer.

منظمة الصحة العالمية. (2021). Ethics and governance of artificial intelligence for health. WHO.

UNESCO. (2020). Artificial intelligence and inclusive education. Paris.

D’Mello, S., & Graesser, A. (2012). Dynamics of affective states during learning activities. Educational Psychology Review.

Rizzo, A., et al. (2016). Virtual human agents for clinical interviewing and assessment. IEEE Computer Graphics and Applications.

تعليقات