الذكاء الاصطناعي ودوره في دعم التعلم الدامج

 

الذكاء الاصطناعي ودوره في دعم التعلم الدامج


مقدمة

أبرزت الدراسات العربية والأجنبية تنامي الاهتمام بتوظيف الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في المجال التعليمي لما له من دور محوري في تطوير العملية التعليمية ومواكبة متطلبات العصر الرقمي (عبد السلام، 2021؛ رزق، 2021؛ الحكمي، 2023؛)، فقد أشارت دراسة عبد السلام (2021) إلى أن اعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي في التعليم أصبح ضرورة ملحة تفرضها التحولات الرقمية المتسارعة لما توفره هذه التقنيات من إمكانات فاعلة في تحسين جودة التعليم وتطوير مخرجاته، كما أكدت دراسة رزق (2021) أن الذكاء الاصطناعي يقدم مجموعة من المزايا التعليمية من أبرزها دعم شرح المقررات الدراسية، وتوفير تغذية راجعة فورية لإجابات المتعلمين، فضلا عن إسهامه في الإرشاد الأكاديمي من خلال مساعدة الطلبة على اختيار التخصصات الجامعية الأكثر توافقا مع قدراتهم واستعداداتهم العقلية إلى جانب قدرته على تحليل البيانات التعليمية للكشف المبكر عن الطلبة المعرضين للفشل الدراسي أو التسرب من التعليم.

وفي السياق ذاته، أشارت دراسة Haefner وآخرين (2021) إلى أن أنظمة الذكاء الاصطناعي تمتلك قدرة متقدمة على محاكاة التفكير والسلوك البشري وتسهم في توليد الأفكار الداعمة للابتكار والإبداع، فضلا عن تقليل الأعباء الروتينية وإتاحة نسخ متعددة من الأنظمة الذكية يمكن أن تشكل بدائل مساندة للخبرات البشرية المتخصصة،  وانطلاقا من هذه المعطيات تسعى مجموعة من الدول من بينها المملكة العربية السعودية إلى التوسع في تبني تطبيقات وأنظمة الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات وعلى رأسها القطاع التعليمي؛ حيث يتوقع أن ينعكس هذا التوجه إيجابا على تطوير المناهج والمقررات الدراسية وتحسين تعلم الطلبة وتعزيز جاهزيتهم لمتطلبات المستقبل (بارعيدة والصانع، 2022). كما يتوقع الباحثون والمختصون في مجال الذكاء الاصطناعي في التعليم حدوث تحولات نوعية ومستمرة تسهم في بناء مستقبل تعليمي أكثر كفاءة وابتكارا.

على الرغم من التطور المتسارع في توظيف تطبيقات الذكاء الاصطناعي في المجال التعليمي وما أظهرته الدراسات من فاعلية هذه التطبيقات في تحسين جودة التعلم ودعم المتعلمين، إلا أن الاستفادة منها في مجال التربية الدامجة، ولا سيما في دعم المتعلمين ذوي الإعاقة، لا تزال تطرح عددا من التساؤلات العلمية والتربوية، فبينما تشير الأدبيات إلى الإمكانات الكبيرة للذكاء الاصطناعي في تكييف التعلم وتقديم الدعم الفردي وتحليل بيانات المتعلمين، يلاحظ محدودية الدراسات التي تناولت بشكل منهجي طبيعة هذا التوظيف ومستوى فاعليته والتحديات العلمية والأخلاقية المصاحبة له خاصة في السياق العربي والخليجي.

كما تبرز إشكالات تتعلق بمدى جاهزية الأنظمة التعليمية لتبني تطبيقات الذكاء الاصطناعي في التعليم الدامج وحدود مساهمتها في تحقيق الإنصاف وتكافؤ الفرص التعليمية للمتعلمين ذوي الإعاقة، إضافة إلى القضايا الأخلاقية المرتبطة بحماية البيانات والخصوصية والتحيز الخوارزمي ودور المعلم في ظل التحول نحو الأنظمة الذكية. وانطلاقا من ذلك تتمحور إشكالية الدراسة الحالية حول تحليل واقع توظيف الذكاء الاصطناعي في التعليم واستكشاف أبعاده التربوية والتقنية والأخلاقية في دعم التربية الدامجة.

أولا: تعريف الذكاء الاصطناعي في التعليم

يعد الذكاء الاصطناعي من المفاهيم المركبة والمتعددة الأبعاد، إذ تتباين تعريفاته تبعا للسياقات العلمية والتطبيقية التي يوظّف فيها، ويذهب الاتجاه الغالب في الأدبيات التربوية إلى اعتباره فرعا من علوم الحاسوب يهتم بتصميم وتطوير أنظمة وبرمجيات قادرة على محاكاة القدرات العقلية البشرية مثل التفكير المنطقي والاستدلال وحل المشكلات واتخاذ الرار والتعلّم من الخبرات السابقة (آل سيف، 2017؛ ثريا وآخرون، 2020)؛ حيث يتميز الذكاء الاصطناعي بقدرته على معالجة كميات ضخمة من البيانات بسرعة ودقة تفوق القدرات البشرية، مما يجعله أداة فاعلة في دعم اتخاذ القرار وتحسين الأداء.

وفي السياق التعليمي يتخذ الذكاء الاصطناعي بعدا وظيفيا وتربويا؛ حيث يعرف بأنه مجموعة من التقنيات الرقمية والأنظمة الذكية التي توظف لدعم عمليتي التعليم والتعلم من خلال تحليل بيانات المتعلمين وتشخيص أنماط تعلمهم، وتقديم محتوى تعليمي متكيف فضلا عن توفير تغذية راجعة فورية وتحسين عمليات التقويم والتوجيه الأكاديمي والإرشاد التربوي (عبد السلام، 2021). وينظر إلى الذكاء الاصطناعي في التعليم بوصفه أداة مساندة للمعلم تسهم في تعزيز فاعلية التدريس وتيسير التعلم الذاتي وتحقيق التعلم المتمركز حول المتعلم بدلا من اعتباره بديلا عن الدور الانساني في العملية التعليمية.

على الرغم من اختلاف التعريفات التي وردت لتوضيح مفهوم الذكاء الاصطناعي وفقا لاستعمالاته المختلفة إلا أن الشائع في الوقت الحالي هو تعريف الذكاء الاصطناعي بأنه دراسة الملكات العقلية للإنسان باستخدام النماذج الحسابية لإكساب الحاسب بعضا منها (ثريا وآخرون،2020). إن الذكاء الاصطناعي هو جزء من علوم الحاسب يهدف إلى تصميم أنظمة ذكية تعطي نفس الخصائص التي نعرفها بالذكاء في السلوك الإنساني. (آل سيف،2017) وتعرفه الباحثة إجرائياً بأنه: "العلم الذي تقوم عليه برامج الحاسوب وتطبيقاته على اختلافها بما يتميز به من خصائص تتوافق مع القدرات العقلية للإنسان تمكنه من القيام بالعديد من العمليات والأعمال المختلفة لتحقيق أهداف الدراسات الاجتماعية في المملكة العربية السعودية.

ثانيا: الذكاء الاصطناعي والتخصص التعليمي

أظهرت الدراسات الحديثة أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي تتسم بدرجة عالية من المرونة والتكيف مما يتيح توظيفها في مختلف التخصصات التعليمية دون الاقتصار على مجال معرفي محدد، فقد أسهمت هذه التطبيقات في تطوير تعليم العلوم من خلال المحاكاة الافتراضية والتجارب المخبرية الرقمية وفي تحسين تعلم الرياضيات عبر أنظمة حل المشكلات الذكية وأيضا في دعم تعلم اللغات باستخدام تقنيات التعرف على الصوت وتحليل الأخطاء اللغوية والتفاعل التواصلي الذكي (Hwang, 2022).

كما امتد توظيف الذكاء الاصطناعي ليشمل الدراسات الاجتماعية، والتعليم التقني، والتعليم العالي، من خلال نظم تعليم تكيفية تراعي الفروق الفردية وتحليلات تعلم متقدمة تساعد على تتبع تقدم الطلبة والتنبؤ بصعوبات التعلم المحتملة وتوجيه التدخلات التربوية المناسبة (Lyu et al. 2023 Ouyang & Jiao, 2021. ). ومع ذلك تشير الأدبيات إلى وجود تركيز أكبر على توظيف الذكاء الاصطناعي في التعليم العالي مقارنة بالتعليم العام الأمر الذي يكشف عن فجوة بحثية تستدعي توسيع نطاق الدراسات لتشمل المراحل الدراسية المختلفة وبخاصة التعليم الأساسي، لما له من دور محوري في بناء الأسس المعرفية والمهارية للمتعلمين.

ثالثا: دور الذكاء الاصطناعي في دعم المتعلمين ذوي الإعاقة

يعد مجال دعم المتعلمين ذوي الإعاقة من أكثر المجالات التي أظهر فيها الذكاء الاصطناعي إمكانات تربوية واعدة نظرا لما يوفره من حلول تعليمية مبتكرة تسهم في تحقيق مبادئ التربية الدامجة وتعزيز الإنصاف وتكافؤ الفرص التعليمية. فقد مكنت تطبيقات الذكاء الاصطناعي من تصميم محتوى تعليمي متكيف يستجيب لاحتياجات المتعلمين الفردية ويأخذ بعين الاعتبار أنماط الإعاقة المختلفة، سواء كانت سمعية، أو بصرية، أو حركية، أو ذهنية (رزق، 2021).

تشمل هذه التطبيقات تقنيات المساعدة الذكية مثل النظم الناطقة، وبرمجيات تحويل النص إلى كلام والترجمة الفورية للغة الإشارة والتعرف على الصوت والصورة، مما يسهم في تسهيل وصول المتعلمين ذوي الإعاقة إلى المعرفة وتعزيز مشاركتهم الفاعلة داخل الفصل الدراسي وخارجه(Pilco et al., 2023). كما تتيح هذه التقنيات تتبع تقدم المتعلمين بشكل مستمر وتقديم دعم فردي مخصص يسهم في تحسين التحصيل الدراسي، وتعزيز الاستقلالية، وتقليل مظاهر الإقصاء التعليمي.

رابعا: الإشكالات العلمية والأخلاقية المرتبطة بتوظيف الذكاء الاصطناعي في التعليم

على الرغم من المزايا المتعددة التي يقدمها الذكاء الاصطناعي في المجال التعليمي، إلا أن توظيفه يثير جملة من الإشكالات العلمية والأخلاقية التي تستدعي نقاشا علميًا معمقا، فمن الناحية العلمية تبرز تحديات تتعلق بجودة البيانات التعليمية المستخدمة في تدريب الخوارزميات ومدى دقة مخرجات الأنظمة الذكية وملاءمتها للسياقات التعليمية المختلفة خاصة في البيئات التي تعاني من ضعف البنية التحتية الرقمية. أما من الناحية الأخلاقية فتتمثل أبرز الإشكالات في قضايا الخصوصية وحماية بيانات المتعلمين وضمان عدم إساءة استخدامها، فضلا عن مخاطر التحيز الخوارزمي الذي قد يؤدي إلى تكريس أشكال جديدة من التمييز وعدم الإنصاف داخل النظم التعليمية (حمايل،2023؛ Adams,2023)، كما يثير الاعتماد المفرط على الأنظمة الذكية تساؤلات حول تراجع الدور الإنساني للمعلم، وحدود المسؤولية التربوية والأخلاقية في حال وقوع أخطاء ناتجة عن قرارات تعتمد على الذكاء الاصطناعي. ومن هنا تؤكد الأدبيات على ضرورة تبني أطر تنظيمية وأخلاقية واضحة، تضمن الاستخدام المسؤول والعادل لهذه التقنيات في التعليم.

خاتمة

خلصت هذه الدراسة إلى أن الذكاء الاصطناعي يمثل أحد أبرز التحولات التكنولوجية المؤثرة في المجال التعليمي لما يوفره من إمكانات متقدمة في تحسين جودة التعليم وتطوير التخصصات التعليمية ودعم المتعلمين ذوي الإعاقة في إطار التربية الدامجة. غير أن تحقيق الاستفادة القصوى من هذه التقنيات يظل مرهونا بمدى الوعي بالإشكالات العلمية والأخلاقية المصاحبة لها، وبتوافر سياسات تعليمية وتشريعات تنظيمية تضمن توظيفا رشيدا ومنصفا للذكاء الاصطناعي، وعليه توصي الدراسة بضرورة تعزيز البحث العلمي في هذا المجال العلمي التطبيقي إن صح القول وتطوير برامج تكوين المعلمي ووضع أطر أخلاقية واضحة تسهم في توجيه الاستخدام التربوي المسؤول للذكاء الاصطناعي في التعليم.

المراجع

عبد السلام، محمد (2021)، الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في التعليمي، المجلة العربية للتربية.

آل سيف، عبد الله (2017)، الذكاء الاصطناعي: المفاهيم والتطبيقات، الرياض: دار النشر الجامعي.

حمايل، أحمد (2023).،أخلاقيات الذكاء الاصطناعي في التعليم.، مجلة الدراسات التربوية.

رزق، أحمد (2021)، توظيف الذكاء الاصطناعي في دعم العملية التعليمي، مجلة التربية المعاصرة.

ثريا، محمد، وآخرون (2020)، الذكاء الاصطناعي والتعليم الذكي، القاهرة: دار الفكر التربوي.

تعليقات