التكنولوجيات الذكية كرافعة للتربية الدامجة
مقدمة
شهد العالم خلال
العقود الأخيرة تطورا متسارعا في مجال التكنولوجيات الذكية ولا سيما تطبيقات
الذكاء الاصطناعي التي أثبتت فعاليتها في مختلف القطاعات الحيوية مما دفع العديد
من الدول إلى الاستثمار المكثف في هذا المجال بوصفه أحد محركات التنمية المستدامة،
ولم يكن قطاع التعليم بمنأى عن هذه التحولات الرقمية إذ أضحت التكنولوجيات الذكية
عنصرا محوريا في تطوير الممارسات التعليمية وتحسين جودة التعلم والارتقاء بأداء
الفاعلين التربويين.
وفي سياق تزايد
الدعوات إلى ترسيخ مبادئ التربية الدامجة التي تقوم على ضمان حق جميع المتعلمين في
تعليم منصف وعادل يراعي الفروق الفردية والاحتياجات الخاصة، برزت التكنولوجيات
الذكية كرافعة أساسية لدعم هذا التوجه العالمي والجديد بنوعه الفريد، فقد أسهمت
هذه التكنولوجيات في توفير بيئات تعلم مرنة وتيسير الوصول إلى المعرفة وتعزيز
استقلالية المتعلمين خاصة ذوي الإعاقة أو صعوبات التعلم من خلال أدوات وتطبيقات
قادرة على التكيف مع أنماط التعلم المتنوعة. وعليه يهدف هذا المقال إلى تسليط
الضوء على مفهوم التكنولوجيات الذكية، وأنواع الأدوات المساندة للتربية الدامجة،
وتطبيقاتها العملية داخل الفصل الدراسي، إضافة إلى مناقشة حدود استخدامها
والتحديات المرتبطة بها.
أولا: مفهوم
التكنولوجيات الذكية
تعد التكنولوجيات الذكية من أبرز مخرجات الثورة الرقمية المعاصرة، إذ تقوم على
توظيف الذكاء الاصطناعي والخوارزميات المتقدمة في تصميم أنظمة قادرة على محاكاة
بعض الوظائف العقلية للإنسان كالتعلّم والاستدلال والتحليل واتخاذ القرار، ولا
يقتصر مفهوم التكنولوجيات الذكية على الجانب التقني الصرف، بل يتجاوز ذلك ليشمل
أبعادا معرفية وتربوية تهدف إلى تحسين جودة التفاعل بين الإنسان والآلة بما يخدم
أهداف التنمية البشرية والتعليمية لجميع الأشخاص بمن فيهم ذوي الإعاقة.
في المجال التربوي، تعرف التكنولوجيات الذكية بوصفها أدوات تعليمية رقمية
قادرة على تكييف المحتوى والأنشطة التعليمية وفق الخصائص الفردية للمتعلمين مع
مراعاة الفروق في القدرات والميولات والاحتياجات الخاصة؛ حيث يكتسي هذا التعريف
أهمية خاصة في سياق التربية الدامجة التي تسعى إلى دمج جميع المتعلمين داخل الفصول
الدراسية العادية دون إقصاء أو تمييز. فالتكنولوجيات الذكية تسهم في الانتقال من
نموذج تعليمي موحد إلى نموذج مرن وشخصي يسمح بتقديم تعلم يتلاءم مع إيقاع كل متعلم
ويعزز مبدأ الإنصاف التربوي، كما تؤكد الأدبيات التربوية العربية أن التكنولوجيات
الذكية لم تعد خيارا ثانويا بل ضرورة بيداغوجية تفرضها التحولات الاجتماعية
والتكنولوجية خاصة في ظل تزايد أعداد المتعلمين ذوي الاحتياجات الخاصة وتعقد
المشكلات التعليمية داخل البيئات المتنوعة.
ثانيا: أنواع
الأدوات المساندة في التربية الدامجة
تتعدد
الأدوات التكنولوجية الذكية المساندة للتربية الدامجة وتتنوع بحسب طبيعة الإعاقة
أو صعوبات التعلم التي يعاني منها المتعلمون، ومن أبرز هذه الأدوات برامج
التكنولوجيا المساعدة التي تشمل تطبيقات تحويل النصوص المكتوبة إلى صوت مسموع
لفائدة المتعلمين ذوي الإعاقة البصرية، وبرامج التعرف على الصوت التي تمكن
المتعلمين ذوي الإعاقات الحركية أو صعوبات الكتابة من التفاعل مع المحتوى التعليمي
دون عوائق، كما تبرز البرمجيات التعليمية التكيفية التي تعتمد على الذكاء
الاصطناعي في تحليل بيانات المتعلم مثل مستوى التحصيل وسرعة الاستجابة لتقديم
أنشطة تعليمية تتناسب مع مستواه الحقيقي؛ حيث تعد هذه الأدوات ذات قيمة كبيرة في
الأقسام الدامجة لأنها تساعد المدرس على تدبير التفاوت داخل الفصل وتقديم دعم فردي
دون المساس بسيرورة التعلم الجماعي، إضافة إلى ذلك توظّف تطبيقات الواقع المعزز
والواقع الافتراضي كوسائل تعليمية ذكية تتيح للمتعلمين خوض تجارب حسية وتفاعلية تسهم
في تبسيط المفاهيم المجردة وتعزيز الفهم العميق خاصة لدى المتعلمين الذين يواجهون
صعوبات في التعلم النظري وبالتالي تشير الدراسات العربية إلى أن هذه الأدوات ترفع
من مستوى الدافعية والانخراط في التعلم وتسهم في تحسين التحصيل الدراسي داخل
البيئات الدامجة.
ثالثا:
تطبيقات عملية للتكنولوجيات الذكية داخل الفصل الدراسي
تتجلى
التطبيقات العملية للتكنولوجيات الذكية في التربية الدامجة داخل الفصل الدراسي من
خلال دمج منصات التعلم الذكية التي تتيح تتبع المسار التعلمي لكل متعلم بشكل فردي؛
حيث تمكن هذه المنصات المدرسين من تحليل أداء المتعلمين والكشف المبكر عن مواطن
التعثر وتصميم خطط دعم فردية تراعي الاحتياجات الخاصة لكل حالة. كما يسهم توظيف المساعدات الذكية التعليمية في دعم التعلم الذاتي من
خلال توفير إجابات فورية عن استفسارات المتعلمين وتوجيههم إلى موارد تعليمية
ملائمة لقدراتهم؛ حيث يعد هذا النمط من الدعم ذا أهمية خاصة للمتعلمين ذوي
الاحتياجات الخاصة لأنه يقلل من اعتمادهم المفرط على المدرس ويعزز ثقتهم بأنفسهم، ومن
التطبيقات العملية كذلك استخدام الوسائط المتعددة التفاعلية المدعومة بالذكاء
الاصطناعي مثل الفيديوهات التعليمية التكيفية والألعاب التربوية الذكية، التي تراعي
أنماط التعلم المختلفة سواء البصرية أو السمعية أو الحركية،إذ يؤدي هذا التنوع في
الوسائل إلى خلق بيئة صفية دامجة تشجع المشاركة الفعالة وتسهم في تحسين جودة
التعلمات وتحقيق الأهداف التعليمية.
رابعا: حدود استخدام
التكنولوجيات الذكية والتحديات المرتبطة بها
على الرغم من
الإمكانات الواعدة للتكنولوجيات الذكية في دعم التربية الدامجة فإن توظيفها يواجه
تحديات متعددة على المستويات التقنية والبيداغوجية والأخلاقية، فمن الناحية
التقنية تعاني العديد من المؤسسات التعليمية من ضعف البنية التحتية الرقمية وغياب
التجهيزات الضرورية اللازمة مما يحد من فعالية استخدام هذه التكنولوجيات داخل
الفصول الدراسية، أما على المستوى البيداغوجي فيعد نقص التكوين المستمر للمدرسين
في مجال توظيف الذكاء الاصطناعي من أبرز الإكراهات التي تعيق أداءهم الوظيفي إذ
يؤدي غياب الكفايات الرقمية إلى استخدام سطحي أو غير ملائم للتكنولوجيا قد يفرغها
من بعدها التربوي، كما تطرح مسألة العدالة الرقمية إشكالا حقيقيا؛ حيث لا يتوفر
جميع المتعلمين على نفس فرص الولوج إلى الأدوات الذكية مما قد يعمق الفوارق
التعليمية بدل تقليصها، أما من الجانب الأخلاقي تثير التكنولوجيات الذكية قضايا
تتعلق بحماية المعطيات الشخصية للمتعلمين من خلال القوانين المنظمة وضمان
الاستخدام الآمن والمسؤول للتقنيات الرقمية، وعليه فإن توظيف التكنولوجيات الذكية
في التربية الدامجة يقتضي اعتماد مقاربة شمولية تقوم على التخطيط الاستراتيجي
والتكوين المستمر وسن تشريعات واضحة توازن بين الابتكار التكنولوجي وحماية الحقوق
الإنسانية من جهة أخرى.
خاتمة
خلاصة القول إن
التكنولوجيات الذكية، بما تتضمنه من تطبيقات الذكاء الاصطناعي وأدوات التعلم الرقمي
المتقدمة أصبحت تشكّل رافعة استراتيجية أساسية لتطوير التربية الدامجة وتحقيق
مبادئ الإنصاف وتكافؤ الفرص التعليمية، فقد أبان التحليل أن هذه التكنولوجيات تسهم
بشكل فعال في تجاوز العوائق التعليمية التقليدية، وتمكين المتعلمين ذوي الاحتياجات
الخاصة من الولوج إلى المعرفة والمشاركة الفاعلة داخل الفصول الدراسية العادية من
خلال تكييف المحتوى وأساليب التدريس وفق خصائصهم الفردية، كما أبرزت مجموعة من
الدراسات في هذا المجال أن توظيف التكنولوجيات الذكية داخل الفصل الدراسي لا يقتصر
على تحسين التحصيل الدراسي فحسب بل يمتد ليشمل تعزيز الاستقلالية عند الفئات المعنية
وتنمية مهارات التفكير وحل المشكلات والرفع من دافعية التعلم لدى جميع المتعلمين
بما في ذلك الفئات الهشة، غير أن هذه الإمكانات الواعدة تظل مشروطة بتجاوز عدد من
التحديات المرتبطة بالبنية التحتية الرقمية والتكوين المهني للمدرسين وضمان
العدالة الرقمية فضلا عن الإشكالات الأخلاقية المتعلقة بحماية المعطيات الشخصية.
لائحة المراجع
أبو زيد، أحمد
بن عبد الله (2020)، الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في التعليم، القاهرة: دار
الفكر العربي.
أحمد، محمد عبد
الرحمن. (2021)، توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في تطوير العملية التعليمية، المجلة
العربية للتربية النوعية.
البدراني، محمد صالح (2019)، التكنولوجيا
المساندة وتعليم ذوي الاحتياجات الخاصة،عمّان: دار المسيرة للنشر والتوزيع.
علي كمال الدين (2021)، واقع استخدام التكنولوجيا الذكية في التعليم العربي: الفرص والتحديات، مجلة التربية والتكنولوجيا
